مواقف وطرائف يكتبها: جلال علام

تأكدت بنفسى أنه يتم اغتيال أحلام الشباب المصرى فى مشروع «ابنى بيتك» وتأكدت أنها جريمة يسبقها الإصرار والترصد الذى يقترن بجريمة القتل، وعدت بذاكرتى إلى دراستى القانون فى كلية البوليس، فلم أجد أن قتل الحلم والأمل واغتيالهما معاقب عليه فى القانون الجنائى المصرى حتى مع توافر ركن القصد.
وأن جرائم القتل فى القانون إما قتل عمد أو قتل خطأ أو ضرب أفضى إلى موت. وقلت فى نفسى لقد فات على المشرع إدراج قتل الأمل وتجريمه فى قانون العقوبات. وإن ظن العبقرى الذى ابتكر فكرة «ابنى بيتك» أنه سيفلت من عقاب الدنيا، فإنه لن يفلت من عقاب الآخره أبداً.
لقد عرضت شاشة القناة الثانية تقريراً مفصلاً انتقلت فيه بالكاميرات إلى الصحراء وغاصت فى أعماق الأرض غير الممهدة والموحشة عديمة المرافق والتى يعلوها أبراج كهرباء الضغط العالى التى تصيب من يقترب منها بالتخلف العقلى، ونقلت الكاميرا أن برميل الماء للبناء يباع للشباب بعشرين جنيهاً وأسعار اللوادر ومواد البناء ونقلها قيمتها مضاعفة، وشباب أبرياء ليس لديهم خبرة فى البناء، وتكلفة بناء شاب لمنزل تفوق عشرات أضعاف تكلفة مقاول لبناء مائة أو ألف منزل.
واقتربت الكاميرا الذكية من وجوه الشباب التى ارتسمت ملامح الأسى والمعاناة على كل واحد منهم وهو يعرض شكواه. ولم تجد كاميرا البرنامج شاباً واحداً سعيداً مبتهجاً بقرب تحقيق حلمه مع شريكة حياته فى منزل جديد، لدرجة أننى وجدت نفسى حزينا على شبابنا وعلى ما يتلقاه من معاناة.
لقد انفطر قلبى ألماً وحزناً عندما عرض الشباب أمام الكاميرا ظروف المعاناة والقسوة التى تحاصرهم، والتى بلغت مداها عند عودتهم فى نهاية اليوم إلى الأرض الوعرة حيث تأخذ ما فى جيوبهم. وتساءلت من هذا العبقرى صاحب فكرة هذا المشروع «ابنى بيتك» وكيف جاءته هذه القسوة أن يرمى شباب مصر ويلعب بأحلامهم وآمالهم بهذه الصورة التى كشفها لنا التليفزيون الحكومى فى برنامج «مصر النهارده بتحلم ببكرة».
أين هو هذا الحلم الآن وغداً مع الشباب الذى يتم تحطيمه فى متاهات الصحراء. إن أقسى شىء فى الدنيا هو إذلال الشباب فى هذه السن المبكرة وماذا ننتظر من مستقبل شباب تتم بهدلته بهذه الصورة الفجة. إنها جريمة بجميع المقاييس ابتكرها لتلميع نفسه دلوعة وزير.
لقد الدموع تغالبنى وأنا أشاهد هذا البرنامج الذى يصلح أن يكون برنامجاً لأسرى يتم التنكيل بهم من العدو، رغم أن مصر بحضارتها تحسن معاملة الأسرى فكيف نترك شبابنا فى هذه المهزلة والمذلة، وماذا ننتظر من رد فعل هؤلاء الشباب عندما يتعاملون مستقبلاً مع المجتمع؟!.
فى جميع دول العالم التى زرتها يكون دور الشاب وزوجته تشطيب المنزل بتركيب الموكيت ودهان الحوائط وليس ما رأيناه على الشاشة. رحموا شباب مصر ولا تقتلوا أحلامهم، كفاهم سماسرة البحر الأبيض المتوسط الذى يموتون فيه غرقاً. كيف تأتينا البركة ونحن بهذه القسوة؟!.

تعليقات